![]() |
العالم الموازي المنهار |
في عام ٢١٤٧ كانت الأرض قد وصلت إلى قمة التطور التكنولوجي لكن هذا التقدم جاء بثمن باهظ استُنزِفت موارد الكوكب وأصبح البشر في سباق محموم لإيجاد بدائل كان نادر السيوفي عالم فيزياء عبقري يعمل على مشروع سري بتمويل من حكومة العالم الموحد جهاز يعبر بين العوالم الموازية
بعد سنوات من البحث استطاع نادر تشغيل الجهاز لأول مرة وقف أمام بوابة متوهجة تشبه المرآة السائلة وقلبه يخفق بشدة نظر إلى زميلته ليلى التي كانت تتابع الأرقام على الشاشة وهزّت رأسها موافقة ابتلع ريقه وتقدم بخطوات ثابتة إلى الداخل
عندما فتح عينيه وجد نفسه في عالم يشبه الأرض… ولكن بطريقة غريبة السماء كانت خضراء والمباني تطفو في الهواء الناس يرتدون أزياء لامعة ويتواصلون بلا كلمات فقط بالنظر لبعضهم
أين أنا تمتم ليُفاجأ بصوت داخل رأسه يجيبه: أنت في الأرض الأخرى نسخة متطورة من عالمك نحن كنا نراقبكم منذ زمن
شعر نادر برعشة باردة تسري في جسده لماذا تراقبوننا؟
لأننا كنا مثلكم يومًا ما لكننا اتخذنا قرارات مختلفة الآن أنتم على وشك ارتكاب نفس الأخطاء التي كادت تدمرنا
بدأ نادر يستوعب الحقيقة المرعبة… كان هذا العالم هو المستقبل البديل للأرض والعبرة كانت واضحة إن لم يتغير البشر فسيواجهون مصيرًا مروعًا
عاد إلى عالمه قبل أن ينطفئ الجهاز يحمل معه تحذيرًا لكن السؤال الحقيقي كان:
هل سيستمع إليه أحد؟
عاد نادر إلى معمله بعد رحلته المذهلة إلى العالم الموازي لكنه لم يكن كما كان من قبل كان عقله يعجّ بالأسئلة والأفكار وكانت الكلمات التي سمعها هناك تتردد في ذهنه كأنها تحذير أخير للبشرية
يجب أن أبلغ المجلس العلمي قال لنفسه لكنه كان يدرك أن لا أحد سيصدقه بسهولة فمن سيؤمن برجل يدّعي أنه سافر إلى عالم آخر؟
التحذير الذي لم يُسمع
في صباح اليوم التالي دخل نادر إلى قاعة المؤتمرات حيث اجتمع كبار العلماء والمسؤولين عن مشروع الأبحاث السرية وقف أمامهم عارضًا ما رآه في العالم الموازي موضحًا أن البشرية تسير نحو كارثة بيئية وتكنولوجية لا يمكن إيقافها إلا إذا غيّرت مسارها فورًا
أحد العلماء الدكتور يوسف عمران ضحك ساخرًا:
هل تتوقع منا أن نصدق أنك رأيت سماءً خضراء ومباني تطير يبدو أنك تأثرت بأفلام الخيال العلمي أكثر مما ينبغي يا دكتور نادر
حاول نادر إقناعهم لكنه لم يلقَ سوى التشكيك والسخرية بعد ساعات من النقاش العقيم غادر القاعة غاضبًا ومحبطًا وهو يدرك أن التحذير لم يصل إلى من يجب أن يصل إليهم.
العالم يبدأ بالتغير
مرت أسابيع وبدأ نادر يلاحظ أمورًا غريبة… التغيرات المناخية ازدادت سوءًا والمجاعات انتشرت في بعض المناطق كما ظهرت تقارير عن أعطال كارثية في أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تدير المدن الذكية
إنه يحدث بالضبط كما قالوا
لم يكن لديه وقت ليضيعه إن لم يتمكن من إقناع الحكومات فسيجد طريقًا آخر لإنقاذ الأرض
رحلة العودة إلى المجهول
قرر نادر العودة إلى العالم الموازي لجمع مزيد من الأدلة هذه المرة حمل معه كاميرات وأجهزة استشعار متطورة ليثبت صحة كلامه أعاد تشغيل الجهاز وتقدم نحو البوابة مرة أخرى
لكن هذه المرة كان بانتظاره شيء مختلف تمامًا
عندما وصل وجد أن العالم الموازي لم يكن كما رآه أول مرة المدينة العائمة كانت تنهار والسماء أصبحت مليئة بالعواصف السوداء ركض نحو أحد السكان الذين كانوا يتواصلون بالعقل وسأله: ماذا يحدث هنا؟
لقد حذرناك نحن مجرد انعكاس لمستقبلكم إذا بدأ عالمكم في الانهيار فسينهار عالمنا أيضًا المستقبل لم يعد كما كان
شعر نادر برعب لم يعرفه من قبل لقد ظنّ أن هذا العالم موازي لكنه كان مستقبل الأرض نفسه وها هو يشهد نهايته أمام عينيه
هل يمكننا إنقاذه؟ سأل وهو يشعر بيأس يتسلل إلى قلبه
أجابه الرجل الغريب: لديك فرصة أخيرة لكن الوقت ينفد عُد وأصلح ما أفسدتموه قبل فوات الأوان
ركض نادر عائدًا إلى البوابة ولكن في اللحظة التي دخل فيها شعر بانفجار ضخم يهز المكان…
هل تأخر الوقت؟
فتح عينيه ليجد نفسه ملقى على أرض معمله والأجهزة من حوله تصدر إنذارات حمراء متتالية نهض بصعوبة وأدرك أنه لا وقت للشك أو التردد
إن لم يتحرك الآن… فلن يكون هناك مستقبل على الإطلاق
فتح نادر عينيه وهو يلهث جسده يرتجف مما رآه للتو إنذار الطوارئ لا يزال يدوّي في المعمل وشاشة الكمبيوتر تعرض رسالة تحذيرية:
عدم استقرار فيزيائي في البوابة الإغلاق التلقائي خلال 60 ثانية
لم يكن هناك وقت! هرع إلى لوحة التحكم ليحفظ البيانات التي جمعها لكن قبل أن يتمكن من فعل أي شيء اهتز المعمل بقوة وكأن زلزالًا ضرب المكان انفجرت إحدى الشاشات وتناثرت الشرارات الكهربائية في الهواء
لا ليس الآن
في اللحظة الأخيرة، ضغط على زر الطوارئ فبدأت البوابة في الانغلاق لكنها لم تُغلق تمامًا بقيت هناك شقوق من الطاقة المتوهجة وكأنها تحاول أن تبقى مفتوحة.
ثم حدث ما لم يكن في الحسبان…
الزائر القادم من المستقبل
من داخل الشق الطاقي ظهرت يد كانت يدًا بشرية لكنها متوهجة بطاقة غريبة ثم ظهر شخص بالكامل رجل طويل القامة يرتدي بذلة فضية لامعة وعيناه تشعان بضوء أزرق بارد
تراجع نادر مصدومًا لم يكن هذا مخلوقًا غريبًا بل كان هو نفسه
من… من أنت؟ سأل بصوت مرتجف
ابتسم الرجل الغامض وقال بصوت مطابق لصوت نادر لكن بنبرة أكثر هدوءًا: "أنا أنت، من المستقبل… ولكن ليس من المستقبل الذي تعرفه
شعر نادر بدوار كيف يكون هذا ممكنًا؟ هل هذه نسخة أخرى منه؟ أم أنه من خط زمني مختلف تمامًا؟
قال الرجل: أنا هنا لأنك لم تستمع للتحذير عالمنا انهار… وفشلت في إنقاذه جئت إليك لأمنحك فرصة أخيرة
تقدم نادر خطوة إلى الأمام وسأله بقلق: كيف؟ ماذا يجب أن أفعل؟
الخطة الأخيرة لإنقاذ العالم
نظر الرجل إلى البوابة المتصدعة وقال: "يجب أن تغلق هذا الجهاز نهائيًا لقد فتحنا ثغرة بين العوالم وأي تواصل بيننا يزيد من انهيار الزمن نفسه هذه البوابة لا تجلب المعرفة فقط… بل تجلب الفوضى
شعر نادر بالتردد كان هذا إنجازه الأكبر فكيف له أن يدمره؟ لكن نظرة الرجل إليه كانت قاطعة
إذا لم تفعل… سينهار كل شيء خلال أيام لن يكون هناك مستقبل لأحد
في تلك اللحظة، أدرك نادر الحقيقة… لم يكن لديه خيار
أمسك بمطرقة ثقيلة وتوجه إلى نواة الطاقة في الجهاز بنبضة قلب واحدة رفع المطرقة… ثم ضرب بكل قوته
اللحظة الحاسمة
تحطم قلب البوابة وانطلقت منها موجة طاقة عنيفة أطاحت بنادر أرضًا صرخ الرجل القادم من المستقبل وهو يختفي في دوامة من الضوء ثم انغلقت البوابة بالكامل… إلى الأبد
عمّ الصمت…
جلس نادر على الأرض يلهث ينظر إلى المكان الذي كانت فيه البوابة لم يتبقَ منها سوى الشرارات المتلاشية انتهى كل شيء
لكن السؤال الحقيقي كان… هل أنقذ المستقبل أم صنع مستقبلًا جديدًا بالكامل؟
النهاية… أم البداية؟
جلس نادر في معمله يحدّق في المكان الذي كانت فيه البوابة قبل أن يدمرها كان كل شيء هادئًا بشكل غريب وكأن العالم نفسه توقف لبرهة حاول أن يستوعب ما حدث… لقد أغلق البوابة ودمر الجهاز وربما… غير المستقبل.
لكن كيف يمكنه التأكد؟
العلامات الأولى للتغيير
في الأيام التالية لاحظ نادر شيئًا غريبًا الأخبار العالمية بدأت تتغير لم يعد هناك تقارير عن الأعطال المتكررة في أنظمة الذكاء الاصطناعي ولم تكن هناك كوارث مناخية غير متوقعة بدا وكأن الأرض تسير في مسار مختلف تمامًا أكثر استقرارًا
لكن هناك أمرًا آخر أقل وضوحًا… ذكرياته بدأت تتغير
في إحدى الليالي بينما كان يراجع ملاحظاته القديمة وجد وثائق لم يتذكر أنه كتبها من قبل كانت هناك معادلات معقدة وأبحاث تتحدث عن الطاقة المستدامة بدلًا من الانتقال بين العوالم
الأمر الأكثر غرابة أنه وجد صورة له مع علماء لم يقابلهم من قبل… لكن وجهه في الصورة بدا سعيدًا وكأنه يعيش حياة لم يعشها قط
"هل أنا في مستقبل مختلف الآن؟
لقاء غير متوقع
في صباح أحد الأيام بينما كان نادر يسير في ممرات المركز البحثي سمع صوتًا مألوفًا يناديه:
نادر أخيرًا وجدتك
استدار بسرعة، ليجد أمامه امرأة بشعر بني وعينين حادتين… ليلى
لكن هناك مشكلة واحدة… ليلى لم تكن موجودة في هذا العالم
كانت ليلى زميلته في العالم الموازي وهي من ساعدته على تشغيل البوابة لأول مرة لكن في هذا الواقع لم يكن لها وجود أو على الأقل هذا ما ظنه
ابتسمت ليلى وقالت: يبدو أنك متفاجئ برؤيتي لم أتوقع أن أراك أيضًا لكنني كنت أبحث عنك منذ فترة
شعر نادر بقشعريرة تسري في جسده إذا كانت ليلى هنا… فهذا يعني أن الماضي قد تغيّر حقًا
ماذا حدث؟ سألها بحذر
نظرت إليه ليلى بجدية وقالت: هذه ليست النهاية نادر… بل مجرد بداية لقد غيرت المستقبل لكن بعض الأشياء لا يمكن محوها بالكامل
هل انتهى الأمر حقًا؟
بدأ نادر يدرك الحقيقة البطيئة… لقد صنع واقعًا جديدًا لكن هل هذا الواقع أفضل حقًا؟ وما الذي تبقى من المستقبل الذي حاول تدميره؟
نظر إلى ليلى وعرف أن رحلته لم تنتهِ بعد كان هناك المزيد من الأسرار ليكتشفها… والمزيد من الألغاز التي تحتاج إلى حل
حدّق نادر في ليلى محاولًا استيعاب وجودها في هذا العالم الجديد كان يعلم أنه غير المستقبل لكن لم يكن يعلم أن التغيير قد يصل إلى هذا الحد
كيف وصلتِ إلى هنا؟ سألها بصوت خافت
نظرت إليه ليلى بعينين تحملان سرًا غامضًا ثم قالت: لأن هذا لم يكن مجرد مستقبل… بل كان مزيجًا من عدة احتمالات عندما أغلقت البوابة لم تمحُ المستقبل بل دمجت بين أكثر من خط زمني وخلقْت واقعًا جديدًا بالكامل
شعر نادر بارتجاف خفيف في جسده. ماذا يعني ذلك؟ هل لا يزال هناك خطر؟
الخطر لم يعد كما كان لكنه لم يختفِ تمامًا قالت ليلى بجدية بعض آثار العالم الموازي ما زالت هنا… وهناك شيء آخر يجب أن تعرفه
المفاجأة الكبرى
أخرجت ليلى جهازًا صغيرًا يشبه قرصًا معدنيًا وأعطته لنادر هذا الشيء ظهر بعد أن أغلقت البوابة لا أحد يعرف كيف وصل إلى هنا لكنه يحتوي على بيانات من المستقبل القديم المستقبل الذي حاولت منعه
أمسك نادر بالجهاز ووضعه على الطاولة وبمجرد أن لمسه ظهرت أمامه شاشة ثلاثية الأبعاد تعرض مشاهد مرعبة… المدن تنهار الكوكب يغرق في الفوضى والعالم الموازي ينهار تمامًا
لكن وسط كل هذا ظهر رجل مألوف… كان هو، نادر من المستقبل الذي لم يعد موجودًا
إذا كنت تشاهد هذا فهذا يعني أن التغيير قد حدث، لكن احذر… بعض الأشياء لا يمكن تغييرها بالكامل المستقبل الجديد لا يزال غير مستقر وخطأ صغير قد يؤدي إلى انهيار كل شيء مرة أخرى
اختفى التسجيل وعمّ الصمت في الغرفة
القرار الأخير
التفت نادر إلى ليلى وهو يدرك أن هذه هي اللحظة الحاسمة لم يكن هناك طريق للعودة الآن لكن لا يزال بإمكانه اختيار كيف سيمضي قدمًا
إذا كان هذا الواقع غير مستقر فعلينا أن نتأكد من أنه لن ينهار مرة أخرى قال بحزم
ابتسمت ليلى وأومأت برأسها: بالضبط وهذه المرة… لن نسمح بحدوث الأخطاء
أخذ نادر نفسًا عميقًا ثم ضغط على زر تفعيل الجهاز الجديد ليبدأ رحلته الأخيرة نحو إعادة بناء مستقبل آمن للبشرية
النهاية… وبداية جديدة. 🔥